بسم الله الرحمن الرحيم
قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم):
«مامن داء إلاّ في الحبة السوداء منه شفاء إلاّ السام» (رواه مسلم)
فقد كان منطلق اهتمامنا بالحبة السوداء (نيجيللا ساتيفا) من الحديث النبوي؛ الذي ورد فيه: «إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا
السام». والحبة السوداء نبات شاع استعماله كمادة علاجية طبيعية لمدة أكثر من ألفي عام . وقد أثبتت التجارب الحديثة التي أجريت
على الإنسان والحيوان أن للحبة السوداء تأثيراً موسعاً للشعب الهوائية، وتأثيراً مضاداً للميكروبات، وتأثيراً منظماً لضغط الدم، وتأثيراً
مدراً لإفراز المرارة . وبما أن التأثير العلاجي للحبة السوداء يشمل عدداً كبيراً من الأمراض؛ فقد اتجه تفكيرنا إلى احتمال وجود أثر
منشط للمناعة فيها .
وبالفعل فقد أثبتت التجارب الأولية في مختبراتنا أن للحبة السوداء أثراً منشطاً على جهاز المناعة. وقد أجريت هذه التجارب على
متطوعين أصحاء، رغم أن التجارب المختبرية أظهرت وجود شيء من قصور المناعة عند هؤلاء المتطوعين .
وفي المجموعة الأولى من التجارب والتي ضمت (27) متطوعاً ظهر للحبة السوداء - التي أعطيت بجرعة (2) جرام يومياً - أثر
إيجابي على النسبة بين الخلايا التائية المساعدة والخلايا التائية المعرقلة ، وقد تحسنت هذه النسبة بمعدل (55 %) عند من تعاطوا الحبة السوداء.
وفي المجموعة الثانية من التجارب والتي ضمت (19) متطوعاً تحسنت النسبة بمعدل ( 72 % ) بين الخلايا التائية المساعدة،
والخلايا التائية المعرقلة، ولم يحدث أي تحسن عند المجموعة المقارنة ، وكذلك تحسنت فعالية الخلايا الطبيعية القاتلة بمعدل متوسط ( 74 % ) .
وهذه النتائج لها أهمية عملية كبيرة حيث إن الحبة السوداء باعتبارها منشطاً طبيعياً للمناعة يمكن أن تلعب دوراً في علاج السرطان
والإيدز وغيرهما من الأمراض التي تصاحب حالات قصور المناعة .
النصــوص الشــرعية وشروحهــا :
ثبت في الصحيحين من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « عليكم بهذه الحبة
السوداء، فإن فيها شفاءً من كل داء إلا السام » (1) . والسام : الموت. كما روى البخاري الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام». قلت: وما السام ؟ قال : «الموت» (2).
وفي رواية لمسلم: « ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء إلا السام » (3) .
شرح علماء الحديث لأحاديث الباب :
قال المناوي : ( عليكم بهذه الحبة السوداء ) أي الزموا استعمالها بأكل وغيره ( فإن فيها شفاء من كل داء ) يحدث من الرطوبة، لكن لا
تستعمل في داء صرفاً، بل تارة تستعمل مفردة وتارة مركبة بحسب مايقتضيه المرض (4) .
قال الحافظ ابن حجر : ( ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفاً، بل ربما استعملت
مفردة ، وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة ، وربما استعملت أكلاً وشرباً وسعوطاً وضماداً وغير ذلك .
وقيل إن قوله « كل داء » تقديره يقبل العلاج بها فإنها تنفع من الأمراض الباردة ، وأما الحارة فلا (1) .
وقال الخطابي في أحاديث الباب هل هي محمولة على عمومها أو يراد منها الخصوص ؟
وقال : قوله « من كل داء » هو من العام الذي يراد به الخاص؛ لأنه ليس من طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل
الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلتها. وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث بسبب الرطوبة (2) .
وقال أبو بكر ابن العربي : العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء ، ومع ذلك فإن من الأمراض ما
لو شرب صاحبه العسل لتأذى به . فإن كان المراد بقوله في العسل {فيه شفاء للناس} الأكثر الأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى (1) .
وقال صاحب كتاب تحفة الأحوذي :
وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين لقوله صلى الله عليه وسلم فيها «إلا السام» (2). كقوله تعالى : {والعصر إن الإنسان لفي
خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} .
ثم استشهد بقول الحافظ ابن حجر - في الفتح - الذي ذكرناه سابقاً ثم قال :
قال أبو محمد ابن أبي جمرة : تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة . ولاخفاء بغلط قائل ذلك
، لأنا إذا صدقنا أهل الطب - ومدار علمهم غالباً إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب - فتصديق من لاينطق عن الهوى
أولى بالقبول من كلامهم .
الحبة السوداء
اسم ( الحبة السوداء ) هو واحد من الأسماء المطلقة على عشب ( النيجيللا ساتيفا ) الذي ينتمي لفصيلة النباتات الشقيقية . ومن الأسماء
المتواترة الأخرى لنباتات النيجيللا ـــ الكراوية السوداء ، الكمون الأسود ، حبة البركة ، كاز ، شونيز ، كالاجاجي كالدورة ، كارزنا ،
جيراكا - ومن المحتمل وجود أسماء أخرى . وبالرغم من أن الحبة السوداء قد استعملت في كثير من دول الشرقين - الأوسط
والأقصى - علاجاً طبيعياً منذ أكثر من ( 2000 ) عام . وإن الأحاديث النبوية تعود إلى ( 1400 ) عام خلت . فإنه لم يتم استخراج
بللورات الأساس النشط ( نيجيللون ) من زيت الحبة السوداء وعزلها سوى في عام ( 1959 م ) (1). والمعادلة الكيماوية للنيجيللون
هي ( ك 18 يد 22 أ 4 ) ولم يقوّم دور الحبة السوداء في المناعة الطبيعية حتى عام (1986م) (2)، وكان ذلك في دراسات لنا على
سلسلة أولى من المتطوعين ، وقد قدمت هذه الدراسة إلى المؤتمر الدولي الرابع للطب الإسلامي الذي عقد في كراتشي ــ نوفمبر سنة 1986م.
وقد بدأ اهتمامنا بالنيجيللا ساتيفا وتأثيرها في تقوية المناعة بعد أن علمنا بالحديث النبوي الشريف السالف الذكر، ثم ما تلا ذلك من
إدراكنا للمدى الواسع لقدرات الشفاء لهذا العشب ، سواء في المـؤلفات الطبية القديمة (1 ) أو في الدراسـات الطبية الحـديثة وعلم
الحيوان (2). وقد بينت هذه الدراسات أن له تأثيراً في توسيع الشعب يفيد في علاج النزلة الشعبية ، كما أن له تأثيراً على المرارة
ويؤدي إلى زيادة تدفق الصفراء ، ولها أثر مضاد للبكتريا، وخافض ومهبط لضغط الدم .
كما بينت دراسة تأثير السميات على الحيوانات أن مستخرجات النيجيللا خالية من أي تأثير سمي ضار حتى لو تم حقنها بكميات كبير ة
( 3) .. وقد بينت دراساتنا الأولية على النجيللا زيادة (55 %) في نسبة المساعد من خلايا (ت) وهي ( ت 4 ) إلى المعوق من خلايا
(ت) (وهي ت
وزيادة متوسطة (30 %) في نشاط خلايا القاتل الطبيعي (ق ط)، وكانت هناك مجموعتان للتجارب في السلسلة
الأولى ، مجموعة لم تتلق أي دواء، ولم تتحسن في هذه المجموعة أي من وظيفتي المناعة المقيستين، ومجموعة تجارب أخرى تلقت
الفحم المنشط بديلاً ، ولم تتحسن النسبة ( ت 4 ، ت 8 ) في هذه المجموعة ، بينما كان هناك تحسن بنسبة ( 62 % ) في المتوسط في
نسبة نشاط خلايا ( ق ط )، وقد علل التحسن في نشاط خلايا ( ق ط ) في مجموعة الفحم بإزالة السموم الكيماوية من الطعام المهضوم
والـشراب بواسطة الفحم ، وبهذه الطريقة أزيلت تأثيراتها على معوقات المناعة ، وسمحت لمواد الغذاء الطبيعي أن تمارس تأثيرها في
تقوية المناعة . وقد لوحظ أن معظم المتطوعين للسلسلة الأولى ( 1 ) كانوا يقعون تحت ضغوط مؤثرة شخصية ومالية ، وضغوط
متعلقة بالعمل خلال فترة الدراسة . وقد شعرنا أن عامل الضغوط ( الإجهاد) قد أدى إلى قصور تأثير النيجيللا في تقوية المناعة ، وذلك
لما هو معلوم من أن للضغوط تأثيراً معوقاً للنظام المناعي . وبالتالي فقد أعدنا دراسة تأثير النيجيللا على سلـسـلة ثانية من المتطوعين
، وهذا هو موضوع هذا البحث .